كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: مختارات.
قال الترمذيّ: فالخيرات ما اختارهن الله فأبدع خلقهن باختياره، فاختيار الله لا يشبه اختيار الآدميين.
ثم قال: {حِسانٌ} فوصفهن بالحسن فإذا وصف خالق الحسن شيئًا بالحسن فانظر ما هناك.
وفي الأوليين ذكر بأنهن {قَاصِرَاتُ الطرف} و{كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} فانظركم بين الخيرة وهي مختارة الله، وبين قاصرات الطرف.
وفي الحديث: «إن الحور العين يأخذ بعضهنّ بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بأحسن منها ولا بمثلها نحن الراضيات فلا نسخط أبدًا ونحن المقيمات فلا نَظعن أبدًا ونحن الخالدات فلا نموت أبدًا ونحن الناعمات فلا نَيْؤُس أبدًا ونحن خَيْرَات حسان حبيبات لأزواج كرامٍ» خرجه الترمذي بمعناه من حديث عليّ رضي الله عنه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: إن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابهنّ المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصلِّيات وما صَلَّيتنّ؛ ونحن الصائمات وما صُمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتنّ، ونحن المتصدِّقات وما تصدّقتنّ.
فقالت عائشة رضي الله عنها: فغلبنهنّ واللَّهِ.
الثانية: واختلف أيهما أكثر حسنًا وأبهر جمالًا الحور أو الآدميات؟ فقيل: الحور لما ذكر من وصفهنّ في القرآن والسنّة؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام في دعائه على الميت في الجنازة: «وأبدلْه زوجًا خيرًا من زوجه». وقيل: الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف؛ وروي مرفوعًا.
وذكر ابن المبارك: وأخبرنا رشْدين عن ابن أَنْعُم عن حبان بن أبي جبلة، قال: إن نساء الدنيا من دخل منهنّ الجنة فُضِّلن على الحور العين بما عملن في الدنيا.
وقد قيل: إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النبيين والمؤمنين يُخْلَقن في الآخرة على أحسن صورة؛ قاله الحسن البصري.
والمشهور أن الحور العين لَسْنَ من نساء أهل الدنيا وإنما هنّ مخلوقات في الجنة؛ لأن الله تعالى قال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات، ولأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ أقَلَّ ساكِني الجنةِ النّساء» فلا يصيب كل واحد منهم امرأة، ووعد الحور العين لجماعتهم، فثبت أنهن من غير نساء الدنيا.
قوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام}.
{حُورٌ} جمع حوراء، وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم.
{مَقْصُورَاتٌ} محبوسات مستورات {فيِ الْخِيَامِ} في الحجال لسن بالطوّافات في الطرق؛ قاله ابن عباس.
وقال عمر رضي الله عنه: الخيمة دُرة مجوّفة.
وقاله ابن عباس.
وقال: هي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.
وقال الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام}: بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قَطَرات الرحمة، ثم ضرب على كل واحدة منهنّ خيمة على شاطىء الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب، حتى إذا دخل وليّ الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم وليّ الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين. والله أعلم.
وقال في الأوليين: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف} قصرن طرفهنّ على الأزواج ولم يذكر أنهنّ مقصورات، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل.
وقال مجاهد: {مَقْصُورَاتٌ} قد قُصِرن على أزواجهنّ فلا يُرِدن بدلًا منهم.
وفي الصحاح: وقصرت الشيء أقصره قصرًا حبسته؛ ومنه مقصورة الجامع، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز به إلى غيره، وامرأة قَصِيرة وقَصُورة أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج؛ قال كُثَيِّر:
وأنتِ التي حَبَّبْتِ كلَّ قَصِيرَةٍ ** إليّ وما تَدْرِي بذاكَ الْقَصَائرُ

عَنَيْتُ قَصِيرَاتِ الحجالِ ولم أُرِدْ ** قِصارَ الخُطَا شَرُّ النّساءِ البَحاتِرُ

وأنشده الفراء قَصُورة؛ ذكرة ابن السِّكّيت.
وروى أنس قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مررت ليلة أُسري بي في الجنة بنهر حافتاه قِبَاب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء جوارٍ من الحور العِين استأذن ربهنّ في أن يُسلِّمن عليك فأذن لهنّ فقلن نحن الخالدات فلا نموت أبدًا ونحن الناعمات فلا نَبْؤُس أبدًا ونحن الراضيات فلا نسخَط أبدًا أزواج رجال كرام» ثم قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام} أي محبوسات حبس صيانةٍ وتكرمة.
وروي عن أسماء بنت يزيد الأشهلية «أنها أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعدُ بيوتكم وحواملُ أولادكم، فهل نشارككم في الأجر؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: نعم إذا أحسنتن تَبعُّلَ أزواجكنّ وطلبتن مرضاتهم»..
قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} أي لم يمسسهن على ما تقدم قبل.
وقراءة العامة {يَطْمِثْهُنَّ} بكسر الميم.
وقرأ أبو حيوة الشامي وطلحة بن مُصرِّف والأعرج والشيرازي عن الكسائي بضم الميم في الحرفين.
وكان الكسائي يكسر إحداهما ويضم الأخرى ويُخَيِّر في ذلك، فإذا رفع الأولى كسر الثانية وإذا كسر الأولى رفع الثانية. وهي قراءة أبي إسحاق السّبيعي.
قال أبو إسحق: كنت أصلّي خلف أصحاب عليّ فيرفعون الميم، وكنت أَصَلِّي خلف أصحاب عبد الله فيكسرونها، فاستعمل الكسائي الأثرين.
وهما لغتان طَمُث وطَمِث مثل يَعرُشُون ويَعْكِفُون؛ فمن ضم فللجمع بين اللغتين، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة.
وإنما أعاد قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ}؛ ليبين أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة الحور القاصرات الطرف.
يقول: إذا قصرن كانت لهنّ الخيام في تلك الحال.
قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ}.
الرفرف المحابس.
وقال ابن عباس: الرفرف فضول الفرش والبسط.
وعنه أيضًا: الرفرف المحابس يتكئون على فضولها؛ وقاله قتادة.
وقال الحسن والقرظي: هي البسط.
وقال ابن عيينة: هي الزرابي.
وقال ابن كيسان: هي المرافق؛ وقاله الحسن أيضًا.
وقال أبو عبيدة: هي حاشية الثوب.
وقال الليث: ضرب من الثياب الخضر تبسط.
وقيل: الفُرُش المرتفعة.
وقيل: كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف.
قال ابن مقبل:
وإنّا لنَزَّالونَ تَغْشَى نِعَالُنَا ** سَوَاقِطَ من أصناف رَيْطٍ ورفرفِ

وهذه أقوال متقاربة.
وفي الصحاح: والرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس، الواحدة رَفْرَفة.
وقال سعيد بن جبير وابن عباس أيضًا: الرفرف رياض الجنة؛ واشتقاق الرفرف من رَفَّ يَرف إذا ارتفع؛ ومنه رَفْرَفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء.
وربما سموا الظَّلِيم رَفْرافًا بذلك؛ لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو.
ورفرف الطائر أيضًا إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه.
والرفرف أيضًا كِسَر الخباء وجوانب الدِّرْع وما تدلى منها؛ الواحدة رَفْرَفة.
وفي الخبر في وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم: فرفَع الرفرفَ فرأينا وجهه كأنه وَرَقةً تُخَشْخِش أي رفع طرف الفسطاط.
وقيل: أصل الرفرف من رَفَّ النبتُ يَرِفّ إذا صار غضًّا نضيرًا؛ حكاه الثعلبي.
وقال القتبي: يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النَّعمة والغَضَاضة حتى كاد يهتز: رَفّ يرِفّ رفيفًا؛ حكاه الهروي.
وقد قيل: إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمِرْجاح يمينًا وشمالًا ورفعًا وخفضًا يتلذذ به مع أنيسته؛ قاله الترمذيّ الحكيم في (نوادر الأصول) وقد ذكرناه في (التذكرة).
قال الترمذي: فالرفرف أعظم خطرًا من الفرش فذكره في الأوليين {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وقال هنا: {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ} فالرفرف هو شيء إذا استوى عليه الوليّ رفرف به؛ أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالْمِرجاح؛ وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل، روي لنا في حديث المعراج «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سِدْرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى مَسْنَد العرش، فذكر أنه قال: طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربّي ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به خفضًا ورفعًا يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد»؛ فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب، كما أن البُرَاق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكأهما وفرشهما، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان.
ثم قال: {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} فالعبقري ثياب منقوشة تبسط، فإذا قال خالق النقوش إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر!.
وقرأ عثمان رضي الله عنه والجحدري والحسن وغيرهم {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ} بالجمع غير مصروف كذلك {وَعَبَاقِرِيٍّ حِسَانٍ} جمع رَفْرَف وعَبْقريّ.
و{رَفْرَف} اسم للجمع و{عَبْقَرِيّ} واحد يدل على الجمع المنسوب إلى عَبْقَر.
وقد قيل: إن واحد رَفْرف وعَبْقريّ رَفْرَفة وعَبْقريّة، والرفارف والعَبَاقِر جمع الجمع.
والعبقريّ الطَّنَافس الثخان منها؛ قاله الفراء.
وقيل: الزَّرَابي؛ عن ابن عباس وغيره، الحسن: هي البُسُط.
مجاهد: الدِّيباج، القتبيّ: كل ثوب وشي عند العرب عبقريّ.
قال أبو عبيد: هو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي فينسب إليها كل وَشْي حُبِك.
قال ذو الرُّمَّة:
حتى كأنّ رِياضَ الْقُفِّ أَلْبَسها ** مِن وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ

ويقال: عَبْقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بُسُط منقوشة.
وقال ابن الأنباري: إن الأصل فيه أن عَبْقر قرية يسكنها الجنّ ينسب إليها كل فائق جليل.
وقال الخليل: كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقريّ.
ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه: «فلم أر عبقريًا من الناس يَفْرِي فَرِيَّه» وقال أبو عمرو بن العلاء وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: «فلم أر عَبْقريًّا يَفْرِي فَرِيَّه» فقال: رئيس قوم وجليلهم.
وقال زُهَير:
بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ ** جَديرون يومًا أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعلُوا

وقال الجوهري: العبقريّ موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنّ.